ابتهج مجتمع سوق المال المصري اليوم ببشارة قرب انفراجة أزمة ضريبة الأرباح الرأسمالية، وذلك من خلال تصريحات على لسان وزير الاستثمار. وسرعان ما تحولت جميع مؤشرات البورصة إلى اللون الأخضر في رد فعل فوري، مما لا يدع مجالاً لذرة شك وبالدليل العملي على عدم تقبل مجتمع الأعمال لتلك الضريبة وتأثيرها اللامحدود على فقدان تنافسية البورصة المصرية لصالح أسواق المنطقة في وقت نحن في حاجة ماسة لكافة الجهود في الاتجاه المعاكس لجذب الاستثمارات، خصوصًا الأجنبية منها.
ولكن طبقًا للقاعدة الشهيرة، فإن استقرار الاستثمار المحلي ونموه ورضا المستثمرين بالداخل هو خير سفير لجذب المستثمرين الخارجيين.
عانت بورصة مصر لأكثر من عشر سنوات، وبالأخص منذ عام 2011، من انهيارات متتالية بسبب عدم وضوح رؤية وزارة المالية والتخبط من وقت لآخر في نشر أخبار ضريبة يصعب تطبيقها في سوق ناشئ بقاعدة عملاء ورسملة وسوق محدودة، وذلك في ظل عدم وجود قيادات متخصصة وفاعلة في مجال الاستثمار. وقد كان لهذا تأثير كارثي على مناخ الاستثمار ككل، وساهم بشكل جوهري في أزمة العملة، وتعثر ملف الطروحات، وبيع حصص شركات بأسعار بخسة.
من المفترض أن يحدث العكس الآن، ونرى مستويات تاريخية جديدة على كافة مستويات السوق المصري، مع إعادة تقييم السوق وعودة تدفق السيولة من الداخل والخارج. ونرجو أن تكون المؤسسات الحكومية سباقة في ضخ سيولة سريعة لصناعة اتجاه إيجابي، لتشجيع السيولة الخاملة على الاطمئنان والعودة إلى السوق، وعدم ترك الأمر لموظفي إدارة المحافظ للاستمرار برؤية مضاربية محدودة زادت من تقزيم السوق المصري.
وليس البورصة فحسب، بل أيضًا صدور مثل هذا القرار سيكون إشارة لتغير إيجابي جذري في التوجه العام لملف الاستثمار، مما سيؤدي إلى تحفيز عودة الاستثمار المباشر.
ويجب أن نتذكر بالشكر والتقدير جهود السادة نواب البرلمان والإعلاميين في محاولاتهم المستمرة عبر سنوات لتوضيح الصورة بالأرقام لعدة جهات بالدولة. رغم التحديات والأخطاء المتراكمة، ينبغي أن نشيد بالتغير الملموس منذ تولي بعض قيادات الوزارة الجديدة والمجهودات الحثيثة لسماع الأصوات ودراسة الأمور بشكل يراعي تأثير عامل الوقت، وذلك في محاولات واضحة لإحداث فارق في العديد من الملفات.
في إجابته على سؤال حول المستفيد الأكبر من إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية على تعاملات البورصة المصرية، أكد الوزير ببساطة أن الدولة هي المستفيد الأكبر من كافة النواحي بلا جدال.
أولاً: حصيلة ضريبة الأرباح الرأسمالية هي صفر للدولة حتى هذه اللحظة. طبقًا لمشروع اللائحة التنفيذية، من المفترض ترحيل الخسائر لمدة ثلاث سنوات. ومع انهيار السوق منذ إصرار وزير المالية السابق على تكرار حديث ضريبة الأرباح الرأسمالية في الإعلام، أصبحت جميع المراكز المالية المفتوحة بالسوق بلا مبالغة خاسرة، إضافة إلى تكبد انخفاض سعر العملة، وبالتالي منطقياً لن تحصل الدولة على أي حصيلة.
فلماذا كان كل هذا العناد والإصرار وعدم المرونة في المراجعة للصالح العام وتجاهل كافة آراء المعنيين بالأمر؟
الأهم من ذلك، أن الدولة خسرت ما بين 800 مليون إلى مليار سنويًا، حصيلة ضريبة الدمغة التي كان يتم تحصيلها يوميًا بشكل فوري على كل فاتورة بيع وشراء، بناءً على متوسط قيمة تعاملات السوق المتواضعة وقتها.
المفاجأة أن متوسط قيمة تعاملات السوق قبل عام 2008 تخطى 4 مليارات جنيه عندما كان الدولار تحت خمسة جنيهات. يعني بالبلدي، أو افترضنا عدم مواكبة البورصة المصرية لحركة أسواق العالم والارتفاعات الصاروخية في أطول موجة امتدت لأكثر من عشر سنوات، وبافتراض الثبات فقط، كان من المفترض أن تتخطى قيمة التداول اليومية 20 مليار جنيه بمعادلة فرق سعر الصرف فقط. لو فرضنا عليها ضريبة دمغة بنسبة واحد في الألف، كانت حصيلة ضريبة الدمغة للدولة تخطت عشرة مليارات بهدوء، دون تهديد السوق وفقدانه التنافسية وتخويف المتعاملين بهذا الشكل.
الأرقام قاطعة في هذا الشأن ولا تدع مجالاً لذرة شك. على سبيل المثال، في جلسة تداول نهاية أغسطس 2021، اقتربت قيمة التداول من 2.5 مليار جنيه، وفي نهاية ذات اليوم انتشر خبر فتح موضوع الضريبة مجددًا. افتتح السوق جلسات سبتمبر على انخفاض وانهارت قيمة التداول منذ ذلك التاريخ، وهذا يعني أن الضريبة هي أساس اختفاء السيولة.
طبعًا، كل من له علاقة بالسوق يعرف أن متوسط قيمة التداول في الأسواق المنافسة بالمنطقة كام؟ تركيا حوالي 150 مليار والسعودية 90 مليار، وبدون ضريبة. وبلاش نتكلم عن أسواق الدول الكبرى.
بالبلدي، ما هي الميزة التنافسية لديك لجذب المستثمرين؟ إضافة لمشاكل سعر الصرف وغيرها.
لذلك، كيف يكون لدينا أنواع مختلفة من الضرائب على التعاملات الأجنبية ضريبة دمغة والمصرية ضريبة أرباح رأسمالية، وإعفاء المؤسسات من الضريبة وتعاملات ذات الجلسة، علاوة على ضريبة على التوزيعات النقدية التي تخضع لضريبة على كامل الأرباح مسبقًا ويتم تحصيل ضريبة أخرى على الضريبة من المساهم؟ كل هذه الأنواع من الضرائب على تعاملات البورصة تعني عدم العدالة في تكلفة التداول، وبالتالي سوق غير ناضج وهش يفتقد الكفاءة.
ثانيًا: المفترض أن الضريبة هي أصغر شيء تنظر إليه الحكومة في البورصة. لماذا؟ لأن الحكومة هي المستثمر الأكبر وبالتالي هي الخاسر الأكبر من انهيار أسعار الأسهم. والدرس واضح على الشاشة، عندما احتاجت الحكومة دولارًا، باعت حصصًا بأسعار بخسة على الرغم من كونها المتسبب الرئيسي في انهيار الأسعار بفرض ضريبة لا تتناسب مع حجم السوق.
بالضبط، النظرة القريبة ضيعت عليك رؤية تدفقات نقدية تصل إلى السماء حرفيًا بمليارات الدولارات، فقط لأنك تريد تحصيل مبالغ قليلة.
هذه ليست خرافة. نعرف أن البورصة كانت بوابة الدولة للنقد الأجنبي حرفيًا بين عامي 2008 و2013. كل احتياجات الدولة وما تبقى كان نواة احتياطي النقد الأجنبي الذي انتهى بعد عام 2011. من السهل جدًا العودة إلى نفس الإجراءات وإعادة المستثمرين، بتصحيح الصورة المغلوطة حول حديث الجباية بدلاً من التركيز على تنافسية جذب الاستثمارات.
لذلك، نتمنى أن يكون أحدهم في الحكومة قد أدرك الدرس ويقوم بتصحيح الوضع. ونطالب بقرار فوري بإلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية وفرض ضريبة موحدة بنسبة واحد في الألف على جميع المتعاملين وكل التعاملات، بما في ذلك تعاملات ذات الجلسة. والأفضل إلغاؤها تمامًا.
الحكومة الشاطرة تلغي الضريبة اليوم قبل غد. وبما أن لديها كل السلطات، تتعامل بفعالية، وعندما تصل قيمة التداول اليومية إلى عشرين مليار جنيه على الأقل، والقيمة السوقية للسوق إلى 50% من الناتج القومي، يمكن مفاجأة الجميع بفرض ضريبة لو كانت لا تزال مصممة على موقفها. مع العلم أننا لسنا في حاجة إلى عملة محلية، ومن المفترض إعطاء أولوية قصوى لجذب الاستثمارات الخارجية من خلال رفع تنافسية السوق وإزالة كافة المعوقات البسيطة، وأن تلتف كافة أجهزة الدولة حول ذات الهدف.
طبعًا، مصيبة عندما تعرف أن حجم البورصة اليوم حوالي 8% من الناتج المحلي، بينما كان في الربع الأخير من عام 2008 حوالي 107%. وبورصات المنطقة وصلت إلى عشرة أضعاف الناتج القومي.
ثالثًا: تعرف أن هشاشة السوق سبب رئيسي في عدم تفعيل برنامج الطروحات لسنوات وسنوات. لو كان لديك سوق محترم بقاعدة مستثمرين ورسملة مناسبة، كانت الأمور مختلفة. والضريبة سبب رئيسي في الحالة المزرية التي وصلت إليها بورصة مصر.
رابعًا: جميعنا يعرف كارثة الأموال الساخنة في السندات، وخروج 25 مليار دولار في ثلاثة أسابيع بعد الأزمة الأخيرة. على النقيض، الأموال التي خرجت عبر البورصة لا تتجاوز 700 مليون دولار في تلك الفترة. لماذا؟ لأسباب عديدة منها أن الدولة غير ملزمة بإخراج الأجانب من البورصة، فالسهم يمثل ملكية، عكس السندات التي تمثل صك دين، وتلتزم الدولة بدفع فوائد عالية وتدبير سيولة للخروج في أي وقت. عكس أموال البورصة التي تعتبر شريكًا حقيقيًا في شركة على مدار سنوات، حيث يحصل على توزيعات ويشارك في زيادة رأس المال وغيرها. ببساطة، الأموال تظل في عصب الاقتصاد، وحجم البورصة لا يسمح بالتخارج في وقت صغير.
المطلوب من الحكومة الشاطرة اليوم قبل غد هو ضخ سيولة مؤسسية في البورصة المصرية على شكل شراء احترافي متوازن للسوق ككل، دون التركيز على سهم واحد. يجب معالجة أخطاء الماضي، ومع الأسف، حديث وزير المالية السابق
بقلم /حافظ سليمان
خبير أسواق المال