خلال السنوات القليلة الماضية، تمكنت حكومة دبي من تعزيز ميزانيتها العمومية بشكل كبير عن طريق تقليص ديونها، لكن الالتزامات المالية المرتبطة بالكيانات غير المالية التابعة للحكومة لا تزال تشكل تحديًا يؤثر على الأوضاع المالية العامة. في الوقت نفسه، ورغم أن التوترات الجيوسياسية المتزايدة لم تؤثر بشكل كبير على اقتصاد دبي حتى الآن، إلا أن الطبيعة المفتوحة لاقتصاد الإمارة تجعلها عرضة للتأثر بالتقلبات في الطلب العالمي والإقليمي.
الآفاق الاقتصادية لدبي
وفقًا لتوقعات وكالة “إس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية”، من المتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي لدبي نموًا بمعدل 3% في المتوسط خلال الفترة من 2024 إلى 2027، بعدما حقق نموًا بنسبة 3.3% في عام 2023. يُتوقع أن يكون قطاع الخدمات، بما في ذلك العقارات والضيافة والخدمات المالية، المحرك الأساسي لهذا النمو، مدعومًا بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية على مستوى الإمارات العربية المتحدة. من العوامل الداعمة للنمو أيضًا القوانين التي تشجع على الاستثمار، وتسهيلات تأشيرات الإقامة الطويلة التي تساهم في جذب الشركات الجديدة إلى دبي.
تُقدر حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لدبي بنحو 38,000 دولار في عام 2024، فيما بلغ عدد السكان المقيمين 3.7 مليون نسمة في نهاية عام 2023. يتوقع أن يرتفع عدد السكان إلى 4.0 ملايين بحلول عام 2026 نتيجة التدفق المستمر للوافدين.
تأثير التوترات الجيوسياسية على اقتصاد دبي
على الرغم من أن اقتصاد دبي يبقى معرضًا للمخاطر الإقليمية، إلا أن التأثير الفعلي للتوترات الجيوسياسية المتصاعدة كان محدودًا، لا سيما في قطاعات مثل الضيافة والعقارات، والتي تسهم بحوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للإمارة. وفقًا لبيانات مؤشر مديري المشتريات “إس آند بي جلوبال”، حافظت دبي على نمو اقتصادي مستقر حتى أغسطس 2024، مما يشير إلى صلابة القطاع الخاص غير النفطي.
حقق قطاع السياحة أداءً مميزًا في النصف الأول من عام 2024، حيث استقبلت دبي 9.3 مليون زائر دولي، بزيادة 9% عن نفس الفترة من عام 2023. حافظ متوسط إشغال الفنادق على مستوى مرتفع يقارب 80%. وفي قطاع العقارات، شهدت المناطق السياحية مثل نخلة جبل علي وجزر العالم انتعاشًا بعد توقف طويل منذ الأزمة المالية لعام 2008، ما يعزز آفاق القطاع العقاري والحياة الفاخرة.
قطاع تجارة الجملة والتجزئة، الذي يشكل نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، مستمر في النمو رغم بعض الضغوط الناتجة عن ارتفاع تكاليف الأعمال. ومن المتوقع أن يكون تأثير التوترات الجيوسياسية على التجارة طفيفًا، إذ إن نحو نصف التبادل التجاري للإمارة يتم مع آسيا. بلغت التجارة الخارجية غير النفطية لدبي 2 تريليون درهم في عام 2023، وفقًا لبيانات جمارك دبي.
التضخم والتحديات الاقتصادية
ارتفع معدل التضخم في مؤشر أسعار المستهلك إلى أكثر من 3% خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024، ويرجع ذلك إلى ارتفاع تكاليف التعليم وإيجارات المساكن. من المتوقع أن يظل التضخم عند هذا المستوى خلال العام.
فيما يخص المخاطر المستقبلية، تتوقع “إس آند بي” استقرار الأوضاع الجيوسياسية دون صراع طويل الأمد بين الولايات المتحدة/إسرائيل وإيران. ورغم ذلك، فإن التوترات المتصاعدة في المنطقة تشكل مخاطر على النمو الاقتصادي المتوقع لدبي، وقد يتأثر الاقتصاد من خلال قنوات مختلفة تشمل أسعار الطاقة، والسياحة، وتدفقات رأس المال، واضطرابات سلاسل التوريد، والضغوط التضخمية المحتملة. قد تؤدي أي تصاعدات كبيرة في الصراع إلى عودة المغتربين إلى بلدانهم، مما يشكل تحديًا إضافيًا على المدى القصير.
تعد دبي مركزًا اقتصاديًا عالميًا يعتمد بشكل كبير على التجارة الدولية، والسياحة، والخدمات المالية، مما يجعلها عرضة لتأثيرات الأسواق العالمية. وقد أثبتت الإمارة مرونتها في مواجهة العديد من التحديات الاقتصادية، بما في ذلك الأزمات المالية والتقلبات في أسعار النفط، وذلك بفضل تنوع اقتصادها واستراتيجياتها لتخفيف المخاطر. منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، بذلت حكومة دبي جهودًا لتعزيز بنيتها التحتية الاقتصادية وتقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية، مع التركيز على جذب الاستثمارات الأجنبية وتسهيل الإجراءات التجارية.
تأثير التوترات الجيوسياسية على اقتصاد دبي
في السنوات الأخيرة، ساهمت الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، إلى جانب مبادرات التأشيرات طويلة الأمد، في زيادة جاذبية دبي للمستثمرين والأفراد الباحثين عن فرص عمل. ومع ذلك، تظل تحديات مثل التوترات الإقليمية، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتقلبات الأسواق العالمية، تشكل عوامل مؤثرة على الآفاق الاقتصادية للإمارة.