الوقف والتنمية الاقتصادية
كتبه/ باسم عليوة
خبير المنظمة العالمية للزكاة
يعد الوقف الإسلامي من أرقى الأنظمة التي أنتجها الفكر الإسلامي حيث ساهم في تشييد بنية الحضارة الإسلامية و أسهمت في بناء صروح العلم و نشره عن طريق مؤسساته التي تخرج منها العلماء و الباحثين في شتى صنوف المعرفة
فلقد شمل الوقف الإسلامي كل الجوانب الحضارية المهمة؛ من إقامة المساجد العامرة، والمكتبات، والمستشفيات، والأسبلة، والآبار، والحمَّامات، والمدارس، فكان تلبية لكل مُتَطَلَّبَات المجتمع الإسلامي على جميع الأصعدة المختلفة.
أما عن الجانب الديني وجدنا للوقف دوره الذي لا يمكن إنكاره، فآلاف المساجد الموجودة في كل البلدان الإسلامية هي في الحقيقة أعيانٌ موقوفة أراد أصحابها من وقفها الخير والأجر والمثوبة.
و أما الجانب العلمي وجدنا مئات المدارس الموقوفة لطلبة العلم؛ من أجل تحقيق أغراض الواقفين، ورفعة شأن الأُمَّة الإسلامية في جانبها العلمي.
وجاء للوقف تعريفات كثيرة ومتعددة سواء من الجانب الشرعي او القانوني ولكن نختصره في التعريف التالي حتى يسهل على القارئ الوقوف على معناه و الهدف منه :
(هو حبس المال للانتفاع المتكرر به او بثمرته في وجه من وجوه البر العامة او الخاصة )
اما اذا اردنا ان نعيد صياغة تعريف الوقف لنعبر عن مضمونه الاقتصادي لقلنا : (ان الوقف هو تحويل للأموال عن الاستهلاك واستثمار لها في أصول رأسمالية إنتاجية تنتج المنافع والخيرات والإيرادات التي تستهلك في المستقبل سواء أكان هذا الاستهلاك بصورة جماعية كمنافع مبنى المسجد او المدرسة أم بصورة فردية نحو ما يوزع على الفقراء والمساكين أو على الذرية)
وفي ضوء توجه الدولة المصرية بالاهتمام بالأوقاف واستثمار موارده اردت في هذا المقال ان اطوف سريعاً على أهمية الأوقاف في دعم التنمية الاقتصادية للدولة :
فللوقف عدة خصائص تجعله جدير بهذه الأهمية :
1- الخاصية الربانية : فهو التطبيق العملي للصدقة الجارية التي جاءت بها السنة و أشار اليها القرآن في عدة مواطن
2- خاصية الاستمرارية : فهو يعتمد على الاستدامة وحبس المال للأبد من أجل الغرض الذي أوقف من أجله سواء في الحياة او بعد الموت فقد جاء عن النبي بقوله: ” إذا مات الإنسان انقطع عن عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له
3- خاصية الشمول : فهو يشمل على الوقف الذري ( العائلي ) الذي يحمل عدة مسميات منها الوقف الأهلي والوقف الخاص والوقف العائلي وهو ما جعل استحقاق الريع فيه للواقف نفسه أو لغيره من الأشخاص المعنيين بالذات أو بالوقف سواء كانوا من الأقارب أو غيرهم(
4- خاصية الاستقلال : وهي الاستقلال عمن أوقفه وعن ذريته ولا يمكن للواقف نفسه أن يرجع عن ما حبسه لله سبحانه وتعالى
5- خاصية المواكبة : فالوقف الإسلامي يواكب حاجات العصر, ويضفي مرونة , ومعاصرة تتماشى , و تتواكب مع التغيرات التي تفرضها الظروف , و الأزمنة , والأمكنة مما يحقق الفائدة القصوى للموقوف , و الاستخدام الأمثل له
6- خاصية الإنسانية : فشمل المسلمين وغير المسلمين والدواب والخيول والطير كما ذكر عن عمر بن عبد العزيز وغيره من روائع الوقف في الخلافة الإسلامية
والآن كيف يساعد الوقف في دعم التنمية الاقتصادية يمكن صايغته في عدة نقاط :
1- الوقف على التعليم
2- الوقف على دعم خدمات الرعاية الصحية
3- الوقف على بعض الجوانب الاجتماعية
4- الوقف على حل مشكلة العشوائيات
ويكمن القول : الوقف حسب احيتاجات المجتمع
وحتى يتسنى للدولة الاستفادة من هذا الدور الفعال لابد من التكاتف بين كل أجهزة الدولة من سن القوانين وتحديثها حتى تتماشى مع هذا المفهوم الجديد للأوقاف وتكثيف الجهود للتعريف والتثقيف بأهمية الوقف ودوره في دعم خطة التنمية الشاملة للدولة وفي نفس الوقت فهو قربة الى الله تعالى ونشر هذا الوعي بين المواطنين حيث انهم هم المصدر الرئيسي في تمويل مثل هذه الأوقاف
بل يجب تهيئة الفرص لجمهور المسلمين للوقف وتسهيل اجراءاته ودراسة الاحتياجات وتحديد الأولويات في خطة الأوقاف المستقبلية وإيجاد مساحة عمل مشتركة بين الجمعيات الخيرية للوقوف على الحجم الفعلي لاحتياجات الفقراء وعددهم حتى لا يحدث التضارب الأكثر انتشارا الآن من طواف الفقير على كل جميعة ليحصل من كل واحدة منها جزء من احتياجاته
دعونا نصنع مشروع زكاة وقفي يتملك فيه كل المستحقين أسهم يتم ادارتها عن طريق مؤسسات الدولة للقضاء على الفقر من جذوره فهو الهدف الرئيسي من الأوقاف والزكاة وهو ما لا يتعارض مع مفهوم الشمول المالي والتنمية المستدامة وخطة الدولة للتنمية الشاملة
وللحديث بقية باذن الله ولكن اردت في هذا المقال الوقوف على أهم النقاط التي نريد ان نتحدث عنها بالتفصيل لاحقاً وتوضيح دور الفكر الإسلامي في دعم التنمية الاقتصادية بما لا يتعارض مع خطة الدولة ورؤيتها الاقتصادية