يزداد الأمر تعقيداً بالنسبة للمستثمرين في أسهم شركات أشباه الموصلات، مع تحول نقص الإمدادات الكبير العام الماضي إلى وفرة في المخزون لدى بعض الشركات، بينما حوصرت شركات أخرى بأزمات التوترات الجيوسياسية.
تسببت جائحة “كوفيد 19” في أزمة إمدادات غير مسبوقة، وتم إغلاق مصانع أشباه الموصلات، بالتزامن مع زيادة الطلب على الإلكترونيات الاستهلاكية، بينما يحذر الآن بعض المنتجين من زيادة الطلب على الرقائق المستخدمة في أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، في الوقت الذي تستمر فيه شركات صناعة السيارات في مواجهة نقص بعض المكونات.
أسهم شركات أشباه الموصلات
هناك عامل جديد يُضاف لأسباب تصاعد الأزمة، المتضمنة تجدد التوترات بين الولايات المتحدة والصين بشأن صناعة أشباه الموصلات المزدهرة في الدولة الآسيوية، والتي علقت في منتصفها عملاقة المعدات “إيه إس إم إل هولدينغ”(ASML Holding).
قال أنغيلو زينو، كبير محللي الأسهم في “سي إف آر إيه ريسيرش” (CFRA Research): “لا يتأثر الجميع بقيود العرض بشكل متساوٍ”، وأضاف: “يحصل أكبر العملاء على الأولوية –مثل أبل وكبار شركات البيانات- بينما يتم عرقلة عمل مزيد من الصناعات التي لا تربطها علاقة مباشرة بصناعة الرقائق، مثل النشاط الصناعي والسيارات”.
تسبب تعقد وضع الإمدادات، وأسعار الفائدة المرتفعة، والركود المحتمل في تراجع أسهم الرقائق هذا العام، حيث انخفض مؤشر “فيلادلفيا لأشباه الموصلات” (SOX) 37%، ما تسبب في خسارة نحو 1.4 تريليون دولار من القيمة السوقية.
فيما يلي تفصيل لمشكلة العرض في كل قطاع:
الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والكمبيوتر
تبدو الإلكترونيات الاستهلاكية أكثر عُرضة لمشكلة زيادة العرض، حيث حذرت شركة “مايكرون تكنولوجي” (Micron Technology Inc) الأسبوع الماضي من تباطؤ الطلب على رقائق الذاكرة المستخدمة في أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، وأشارت الشركة إلى خفض الإنفاق على المصانع والمعدات الجديدة لإبطاء الإنتاج.
رغم ذلك، قفزت الإيرادات الفصلية لشركة “سامسونغ إلكترونيكس” بشكل فاق التوقعات، ما يُعدّ مؤشراً جيداً على تعافي طلب المستهلكين، وعززت تلك النتائج من أداء أسهم شركات صناعة الرقائق الآسيوية المتراجعة، فيما يترقب الجميع إعلان عملاقة معالجات الكمبيوتر “إنتل” بياناتها المالية في وقت لاحق من الشهر الجاري.
قالت “كاونتر بوينت ريسيرتش” (Counterpoint Research) إن إنتاج الرقائق المستخدمة في شبكة الجيل الخامس “5G” المتميزة والمتوسطة فاق الطلب. وتصنع شركات “كوالكوم وأبل وميديا تك وسامسونغ” معظم شرائح الهواتف الذكية، ومعالجات التطبيقات، وأنظمة عمل الشرائح، ومعالجات النطاقات الأساسية.
أسهم شركات أشباه الموصلات ورقائق السيارات
يتواصل تعافي الرقائق المستخدمة في صناعة السيارات من نقص الإمدادات الذي نتج عن فيروس كوفيد. وتتوقع “جنرال موتورز” تأثر نتائج الربع الثاني للشركة بمشكلات توافر مكونات معينة، لكن الأمور قد تتحسن بعد تقدم مواعيد تسليم الرقائق بيوم واحد في يونيو.
يأتي الجزء الأكبر من الرقائق المستخدمة في إنتاج السيارات من شركات: “إن إكس بي سيمي كونداكتورز إن في” (NXP Semiconductors NV)، و”إينفينيون تكنولوجيز” (Infineon Technologies AG)، و”رينيسانس إلكيترونيكس” (Renesas Electronics)، و”تكساس إنسترومنتس” (Texas Instruments Inc)، و”إس تي ميكروإلكترونكس” (STMicroelectronics NV).
قال جون بار، مدير محفظة في “نيدهام إنفستمنت مانجمنت” (Needham Investment Management): “أصبحت السيارات مراكز بيانات تسير على عجلات، كما تستخدم السيارات الكهربائية 4 أضعاف عدد الرقائق التي تستخدمها السيارات العادية، ولا تزال صناعة السيارات تعاني نقص الإمدادات، وأعتقد مع زيادة الاعتماد على السيارات الكهربائية، سوف تستمر في رؤية نمو قوي هنا”.
مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي
كان الطلب على المعالجات الفائقة المستخدمة في مراكز البيانات أكثر مرونة من شرائح الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية حتى الآن، لكنه لا يزال ضعيفاً.
قال جوردان كلاين، العضو المنتدب لشركة “ميزوهو للأوراق المالية” ومحلل التكنولوجيا: “لا نعرف مدى استقرار طلب الشركات على مركز البيانات، أو كيف يبدو الطلب على الرقائق في السيارات، والقطاع الصناعي.. لقد كان الطلب قوياً، وبينما قد يصمد بشكل أفضل، لكن تبقى هناك مخاطر من تخفيضات في الطلبات أو تراجع الطلب”.
تقوم شركات “نيفيدا كورب” (Nvidia Corp)، و”أدفانسد ميكرو ديفايسز”( Advanced Micro Devices Inc)، و”مايكرون” (Micron)، و”إنتل” (Intel) بتصنيع رقائق مراكز البيانات.
يتوقع “بار” من “نيدهام إنفستمنت مانجمنت” أن يصمد الطلب على وحدات معالجة الرسوم البيانية (GPUs) المستخدمة في الذكاء الاصطناعي بشكل أفضل من باقي القطاعات، حيث تحتاج شركة “ميتا بلاتفورمز” (Meta Platforms Inc) إلى 5 أضعاف عدد وحدات معالجة الرسوم البيانية لمبادرات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، رغم التحديات التي تواجهها الشركة. وقال “بار” إن: “الاتجاه العام يسير نحو زيادة الطلب على الذكاء الاصطناعي، واستخدامه سوف يستمر بلا تباطؤ”.
صناع معدات الرقائق
تمثّل المعدات المعقدة التي يعتمد عليها كافة صانعو الرقائق أمراً حيوياً، في الوقت الذي تتعرض تلك المعدات لمشاكل أكثر صعوبة هذا الأسبوع، عقب ما ذكرته “بلومبرغ نيوز” من دفع الولايات المتحدة لهولندا نحو حظر شركة “إيه إس إم إل هولدينغ” (ASML Holding) بيع بعض أدواتها إلى الصين.
بينما اتفق المحللون بشكل عام على أن توقف “إيه إس إم إل” التام عن تصدير كافة أنظمة الطباعة الحجرية فوق البنفسجية القديمة إلى الصين أمراً غير مرجحٍ، لكن مايكل روج المحلل في “ديغروف” (Degroof) قال إن التوترات الجيوسياسية “قد تخيف المستثمرين بسهولة”.
ذكرت “بلومبرغ إنتليجنس” أن أي حظر أو تصعيد للتوترات قد يضر أيضاً بأقرانها مثل شركة “أبلايد ماتيريالز” (Applied Materials)، التي تسهم الصين بنحو 25–30% من مبيعاتها، كما أن نشوب معركة طويلة الأمد بين واشنطن وبكين حول المعدات قد يزيد من تعطيل سلاسل التوريد المضطربة. ويبقى الحافز المرتقب لتلك الصناعة هو موسم الأرباح، بينما يترقب المستثمرون المؤشرات المتعلقة بتحديات العرض والطلب.
حصلت أسهم شركات الرقائق الآسيوية المتعثرة على هدنة من التراجعات، يوم الخميس، عقب ما أكدته نتائج “سامسونغ” بأن توقعات تراجع القطاع قد يكون مبالغاً فيها، حيث قفز مؤشر “بلومبرغ” للقطاع 3.5% ليسجل أعلى مستوى على مدار نحو 4 أشهر، بدعم من أداء “سامسونغ”، و”تايوان لصناعة أشباه الموصلات” (Taiwan Semiconductor Manufacturing Co)، وارتفاع أسهم الأقران في الولايات المتحدة في تداولات ما قبل السوق.