أصبح مفهوم التنمية المستدامة من المفاهيم التي طفت على السطح في القرن الماضي وهناك العديد من الاستراتيجيات لتحقيق التنمية المستدامة على المستوي المحلي والوطني،
إضافة للتنسيق على المستوي الاقليمي والدولي، وتسعى العديد من دول العالم وعلى رأسها مصر إلى تحقيق الشمول المالي كأداة لتحقيق التنمية المستدامة،
وذلك من خلال التحول لنظام المدفوعات الرقمية، والعمل على زيادة النمو الاقتصادي وتعزيز الناتج المحلي الاجمالي، وخفض معدلات الفقر،
وتحسين مستوى معيشة الفرد وذلك لدعم الاقتصاد الوطني ومن ثم تحقيق التنمية المستدامة واهداف الالفية الجديدة.
مفهوم الشمول المالي: –
يعتبر الشمول المالي احد الادوات الهامة لتحقيق البعد الاقتصادي للتنمية المستدامة من خلال امكانية تحقيق التمكين الاقتصادي، إذ يعنى “الشمول المالي” إتاحة جميع المنتجات المالية والخدمات البنكية حسب احتياجات كل فرد أو مؤسسة، ومن بينها: “حسابات التوفير، الحسابات الجارية، خدمات الدفع والتحويل، التأمين، التمويل والائتمان”، وغيرها من الخدمات المالية والمصرفية المختلفة، وذلك عبر القنوات الشرعية، مثل البنوك وهيئة البريد والجمعيات الأهلية وغيرهم، وبأسعار مناسبة للجميع، وسهلة الحصول عليها، مع مراعاة تامة لحماية حقوق المستهلك، بما يضمن تجميع الفئات المهمشة ماليًا من أصحاب الدخل المنخفض، للتعامل مع الجهاز المصرفي.
كما تعمل الخدمات المصرفية على إتاحة الفرص المناسبة لجميع الفئات لإدارة أموالهم ومدخراتهم بشكل بنكي سليم، وخضوعها للرقابة تجنبا لأي عمليات غسيل أموال أو نصب، أو فرض رسوم مجحفة ومبالغ فيها على المواطنين.
ويضع مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية “تعزيز الوصول إلى التمويل والخدمات المالية في الدول العربية” في مقدمة اهتماماته، وذلك نظراً للفرص الكامنة والكبيرة التي يمكن تحقيقها من خلال تعزيز الشمول المالي لدعم التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة ومواجهة تحديات البطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
و يلعب الشمول المالي دورًا رئيسيًا فيما يلي:
• مواجهة تحديات الفقر والبطالة والتنمية.
• حلقة مهمة لتوليد فرص العمل والتخفيف من تأثير التقلبات الاقتصادية والمالية.
• يدعم جهود الدول العربية لتطوير البنية التحتية وخاصة البنية المالية لتحقيق الاستقرار المالي.
• تشجيع الاستثمار.
• تحقيق الاستدامة المالية لمواجهة تحديات البطالة خاصة بين الشباب.
• تعميق القطاع المالي والمصرفي وتعزيز استقراره وسلامته وتقوية دوره في خدمة مساعي النمو الاقتصادي الشامل.
• احتواء القطاعات غير الرسمية والاقتصاد الموازي في الاقتصاد الرسمي للدولة.
وتتخذ مصر العديد من الخطوات والإجراءات في سبيل النهوض بالشمول المالي، لتؤكد مجدداً ضرورة إدماج كافة فئات المجتمع وشرائحه بالنظام المالي الرسمي، خاصة الشباب والمرأة ورواد الأعمال، وقطاع المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وذلك من خلال تعزيز وصولهم واستخدامهم للخدمات والمنتجات المالية التي تتناسب مع احتياجاتهم بالتكاليف والشروط المعقولة، وحماية حقوقهم وتعزيز معرفتهم ووعيهم بالأمور المالية بما يمكنهم من اتخاذ القرار الاستثماري السليم.
وبادر مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية في عام 2016 إلى اعتماد يوم 27 أبريل من كل عام يوما عربيا للشمول المالي، وقد تم الاحتفال به في عام 2021 تحت شعار “الشمول المالي نحو التنمية المستدامة”، إذ أكد المجلس في هذه المناسبة، دعمه لجهود المجتمع الدولي في تعزيز الشمول المالي وارتباط ذلك بتحقيق التنمية المستدامة
ويساهم الشمول المالى الى تحقيق مايلى :- .
الاستقرار المالي:
حيث يعتمد مفهوم الاستقرار المالي على تيسير عملية نظام الوساطة المالية فيما بين القطاع العائلي والشركات والحكومة من خلال مجموعة من المؤسسات المالية. ويتم تحقيق ذلك من خلال:
• كفاءة البنية التحتية الرقابية.
• كفاءة الأسواق المالية.
• كفاءة وسلامة المؤسسات المالية.
النزاهة المالية:
حيث يعتمد مفهوم النزاهة المالية على مكافحة الجريمة المالية، والتي تتمثل في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك لتحقيق سلامة الاقتصاد الكلي، مما ينعكس إيجابيا على الاستقرار المالي وتوفير بيئة مناسبة لنمو الاستثمار الأجنبي.
و تحقيق الشفافية للقطاع المالي من خلال مطالبة المؤسسات المالية بإجراء فحص نافي للجهالة لعملائها مع تسجيل كافة بيانات العملاء والعمليات التي يقومون بها في السجلات وإتاحتها للجهات الرقابية والإشرافية وفقا للقواعد والقوانين المعمول بها.
الحماية المالية للمستهلك:
نظرا لنمو وتطور القطاع المالي وتعقيد الخدمات المالية المقدمة للعملاء، فقد حظي مفهوم الحماية المالية للمستهلك باهتمام كبير في الآونة الأخيرة. ومن أهم الأهداف المرجوة من تطبيق هذا المفهوم حصول العميل على معاملة عادلة وشفافة بالإضافة إلى حصوله على الخدمات والمنتجات المالية بكل يسر وسهولة وبتكلفة مناسبة وجودة عالية.
وعلى ذلك نرى أن الشمول المالي يوفر تقديم خدمات ومنتجات مالية متطورة وبأسعار معقولة مثل المعاملات والمدخرات والمدفوعات والتأمين والائتمان وغيرها من الخدمات المالية المختلفة بطريقة مستديمة ومسؤولة والوصول إلى تلك المعاملات لا شك هو خطوة البداية للشمول المالي، فحسابها يسمح بالادخار وتبادل المدفوعات ويعتبر بمثابة بوابة لخدمات مالية أخرى، وهذا ما ركزت عليه معظم البلاد والتى من ضمنها مصر بإعداد وتنفيذ استراتيجيات وطنية لتحقيق التقدم نحو الشمول المالي، وهيأت السياسات التنظيمية لذلك، وشجعت على الابتكار والمنافسة في مجال الخدمات المصرفية والمالية، وقد ساعد في ذلك التطور التكنولوجي الصارخ خاصة في السنوات القليلة الماضية، مما عمل على انتشار التكنولوجيا المالية الرقمية، والتي أدت إلى توسيع نطاق تبادل الخدمات المالية في كل مكان، وبين كل أنواع المؤسسات والشركات الكبيرة أو الصغيرة ورجال الأعمال والتجار وحتى الأفراد العاديين.
بقلم/دكتور محمد الشوربجي
الخبير الاقتصادي