على الرغم من ان قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، بشأن زيادة مُعدل الفائدة على الإيداع والإقراض بواقع 300 نقطة لليلة واحدة، كان بغرض مواجهة شبح التضخم الذي كسر حاجز 22٪، الا ان قرار بعض البنوك الحكومية طرح شهادات إيداع، لمدة عام واحد، بعائد مرتفع جداً، عند مستوى 22.5٪ بعائد شهري & 25٪ بعائد سنوي، كان مفاجئاً وأحدث صدمة غير متوقعة للأسواق المالية على المستوى المحلي، على خلفية تزايد وتيرة السياسة التشديدية التي يتبناها صانعي السياسة الاقتصادية والنقدية في البلاد.
فقد أدى قرار طرح شهادات إيداع بعائد مرتفع، إلى اتجاه الكثير من السيولة الزائدة في الأسواق نحو البنوك، من أجل تقليص جانب الطلب بإستخدام أداة سعر الفائدة، مما يؤدي إلى إنخفاض نسبي في اسعار السلع والخدمات، وبالتالي انخفاض معدلات التضخم بشكل اكبر.
من جهة اخرى، فان زيادة اسعار الفائدة بهذا المُعدل المُرتفع، سوف يكون له تداعيات سلبية على الاستثمار والأسعار والأمور الاقتصاية الأخرى، على خلفية ان الكثير من المشروعات لن تجد أموال رخيصة، يمكن الحصول عليها من أجل إعادة دورة الانتاح او فتح خطوط إنتاج جديدة، مما سيلقي بظلاله على زيادة اسعار السلع والخدمات، نظرا لانخفاض عرض السلع في الأسواق، والذي سيدفع إلى المزيد من الضغوط التضخمية بشكل اكبر، بالاضافة الى زيادة تكلفة الأموال لدى البنوك التي طرحت مُنتجات مصرفية بعائد مرتفع، بل ستكون هناك المزيد من التداعيات السلبية على البنوك التي لم تشترك بالأساس في طرح شهادات إيداع بعائد مرتفع، نظرا لارتفاع اسعار فائدة حد الأقراص عند مستوى 24.5٪ وعدم قدرة العملاء على طلب الإقتراض من تلك البنوك، فضلا عن اجراء العملاء سحوبات بشكل غير طبيعي لإيداع تلك الأموال في البنوك التي تُعطي عائد مرتفع، مما يضعف قدرة البنوك غير المشاركة في طرح شهادات إيداع بعائد مرتفع، في منح الإئتمان او القروض لعملائها او إستقطاب عملاء جُدد، مما سيؤدي إلى إنخفاض العائد على الاسهم والعائد على رأس المال المستثمر يشكل كبير.
كما ان نقل تبعية المبادرات التمويلية من البنك المركزي المصري، إلى الوزارات ذات الشأن، قد أدى بشكل او آخر، إلى نوع من التقييد او التجميد لتلك المبادرات، وبما يشير إلى أن الأنشطة والقطاعات الاقتصادية المختلفة، لن يتوفر لها ائتمان رخيص او حتى في الحدود المعقولة، مما يقلص النشاط الاقتصادي بشكل ملحوظ خلال عام 2023.
والحقيقة، فما يزال الأمل معقود على تبني صانعي السياسة الاقتصادية والنقدية في البلاد، حزمة من السياسات والإجراءات التي من شأنها توفير ائتمان رخيص للقطاعات الحيوية في الاقتصاد، سواء من خلال تبني لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، سلسلة من التخفيضات التدريجية في اسعار الفائدة على الإيداع والإقراض، خلال العام الحالي، او العودة مرة أخرى إلى طرح مبادرات تمويلية يشكل حقيقي لقطاع الصناعة بشكل خاص، والذي كانت الفائدة عند مستوى 8٪.
بقلم/ دكتور رمزى الجرم
الخبير المصرفي