دكتور أحمد شوقى
شهدت أسعار الغاز الطبيعي ارتفاعا ملحوظاً خلال الشهر الحالي بعد أن ارتفع سعر الغاز الطبيعي عالمياً ليصل لأعلى نقطة له 6.32 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في 5 أكتوبر الماضي لينخفض إلي 5.54 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في 18 أكتوبر ليصل الي 6.16 دولار تقريباً في 27 أكتوبر الماضي ليصل الي 5.45 دولار عالمياً في 29 أكتوبر الماضي، وبالنسبة لمصر والتي تمثل حصتها من انتاج الغاز الطبيعي 11% على مستوى الدول العربية وتحتل المركز الرابع عربياً انتاجاً للغاز والارباع عشر عالمياً باجمالي 5.6 مليار قدم مكعب يومياً عام 2020 مقابل 6.2 مليار متر مكعب 2019، ويرجع ذلك الانخفاض للظروف العالمية التي مر بها العالم نتيجه للأزمة العالمية التي يمر بها العالم جراء تداعيات ازمة كورونا بعد غلق الحدود ومشكلات سلاسل التوريد.
الأسعار العالمية
ومع توجه الحكومة المصرية لزيادة أسعار الغاز الطبيعي ليصل الي 5.75 مليون وحدة حرارية بريطانية لصناعة الاسمنت وصناعة الحديد والصلب والاسمدة والبتروكيماويات مقارنة 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية وبزيادة تصل الي 28% ، وزيادة سعر الغاز الطبيعي لكافة الأنشطة الأخرى ليصل الي 4.75 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية مقارنة وهو ما يظهر ان الارتفاع في أسعار الغاز الطبيعي تنافسية مقارنة بأعلى نقطة خلال الهر الحالي عالمياً والذي دعم الميزة التنافسية لزيادة صادرات مصر من الغاز الطبيعي خلال الفترة الماضية.
فضلاً عن دعم الحكومة لأسعار الغاز للمصانع كثيفة الاستهلاك خلال ازمة كورونا والذي كان يدعم الحفاظ على معدلات انمو واحتواء حالة الركود العالمي والذي كان من ضمن مجموعة من السياسات التحفيزية والتيسيرية التي قدمتها الحكومة المصرية.
كما بعد هذا الارتفاع الذي أعلنته الحكومة يتعين الإجابة على عدة تساؤلات أبرزها اثر هذه الزيادة على الاقتصاد المصري ككل وعلى الصناعات الكثيفة استخدام للطاقة كصناعة الاسمنت والحديد والصلب والبترو كيماويات وكذلك على التضخم وحجم الصادرات المصرية ……
اولاً بالنسبة لزيادة أسعار الغاز الطبيعي فهي غير مبالغ فيها مقارنة بالأسعار العالمية الحالية للغاز الطبيعي وخاصة بعد الزيادات التي شهدها سعر الغاز الطبيعي ليتجاوز 6 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية واستمرار الحكومة بالابقاء على السعر عند 4.5 دولار دون زيادة وهو ما يظهر حفاظ الدولة على دعم الصناعات الكثيفة بحوالي 1.5 دولار خلال الفترة القليلة الماضية وان كانت مدة ليست كبيرة ولكن فنحن امام وضع عالمي ومصر أحد اكبر الدول المنتجة للغاز كما اوضحنا والذي يفرض عليها مواكبة الظروف العالمية.
التضخم
ثانياً بالنسبة للضغوط التضخمية العالمية التي يعاني منها العالم الآن ومع زيادة أسعار الغاز الطبيعي عالمياً وضربت اغلب دول العالم وبنظرة لبعض دول مجموعة العشرين بصفتها الاقتصاديات الأكبر عالمياً فبالنسبة للولايات المتحدة الامريكية فبلغ التضخم الحالي 5.4% مقارنة بالشهر الماضي وروسيا 7.4% مقارنة 6.68% وفرنسا 2.6% مقارنة 2.2% وإيطاليا 2.9% مقارنة 2.5% واسبانيا 5.5% مقارنة 4% أما بالنسبة لمنطقة اليورو فبلغ التضخم 4.1% مقارنة 3.4% والبرازيل 10.25% مقارنة 9.68% وتركيا 19.58% مقارنة 19.25% والارجنتين 52.5% مقارنة 51.4% والسعودية 0.6% مقارنة 0.3% والصين 0.7% مقارنة 0.8% للشهر الماضي، وبالتالي ومع إعلان الحكومة المصرية زيادة أسعار الغاز الطبيعي فنحن امام زيادة في معدل التضخم الذي نرى انه سيكون مؤقتاً لحين استقرار الأوضاع الاقتصادية العالمية وخاصة بان معدل التضخم الحالي 6.6% مقارنة 5.7% مازال ضمن الحدود المستهدفة من البنك المركزي المصري.
أسعار السلع
أما بالنسبة لارتفاع أسعار السلع والمنتجات فسنتأثر بزيادة في أسعارها وخاصة لأننا مازلنا نستورد العديد من المنتجات والسلع كما ان السلع محلية الصنع ستتاثر بالزيادة لارتفاع السعر المحلي للغاز الطبيعي بالنسبة للصناعات الكثيفة الا ان الصناعات متوسطة الكثافة فان الزيادة لن تكون كبيرة بالشكل الملحوظ وبشكل مجمل سيكون هناك زيادة في الأسعار ونحتاج لتدخل الحكومة في ضبط الأسعار وعدم ترك الامر للظروف التنافسية بين المنتجين للمنتجات والتي يلعب بكل صناعة مجموعة قليلة من اللاعبين الرئيسين بهذة الصناعات وذلك لتقنين الزيادة في الأسعار والتي ستساهم في احتواء معدل التضخم وعدم تجاوز المستهدفات . وبالنسبة لحصة مصر من صادراتها للغاز الطبيعي فإنها لن تتاثر بشكل كبير وخاصة لارتباط مصر بالأسعار العالمية.
البحث عن بدائل
ونحن الأن أمام نقطة هامة وأخيرة بعد أن قامت الحكومة المصرية بكافة أجهزتها باتخاذ كافة الإجراءات الماضية لإعادة التوازن للاقتصاد المصري مرة أخرى بعد الظروف التي مر بها خلال السنوات الأخيرة، والتي نتج عنها تحقيق معدلات نمو حقيقية مقارنة بالدول الأخرى وبالركود العالمي العام الماضي، فهل ستتنازل عن هذه النجاحات والإنجازات غير المسبوقة والتي سيدفع ثمنها المواطن المصري من زيادة الأسعار، بعد ان بدأ المواطن بالشعور بثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي لتأتي جائحة كورونا بضرتها القاسية للعالم اجمع، وقدرة الدولة المصرية على الصمود أمام الأزمة والتعامل معها بشكل مبهر.
كما يجب أن يتم البحث عن البدائل واتخاذ المزيد من الإجراءات أخرى لمزيد من الصمود لتقديم نموذج أكبر لقدرة الاقتصاد المصري على تجاوز الازمات الاقتصادية، وتقديم نموذج أكبر أمام كافة دول العالم للحفاظ على ما وصلت له من نجاحات خلال تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي بمرحلته الاولي، والعمل على الإسراع بشكل اكبر في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية وتفعيل الرقابة الصارمة على أسعار السلع والخدمات وضبط المنظومة السعرية لرفع العناء على المواطن المصري، والعمل على زيادة الإنتاج المحلي وتحسين جودة المنتجات المحلية.